ELIAS PAULUS

ELIAS  PAULUS
ELIAS PAULUS THE BIG LOVE الحب الكبير -اضغط على الصورة-

torsdag 15 juli 2010

أطفالنا...ومشاركتهم في الليتورجية

الليتورجية سَبْق تذوُّق ملكوت الله:

هذه هي المرحلة الثانية التي تتزامن مع دخولنا إلى الكنيسة، حيث نحيا في الليتورجية كسَبْق تذوُّق ملكوت الله. فمنذ دخول الطفل الكنيسة وهو صغير، يشعر أنه داخل فجأةً إلى مكانٍ خاص حيث كل شيء له طابع الجمال العميق والمقدس، وحيث كل شيء ينقله بعيداً عن عالمه اليومي. فيُلاحِظ عن كثب أن السماء والأرض هنا تتعانقان. وهو يُلاحِظ بنفسه أن الدخول إلى الكنيسة يكون بإشارات طقسية ما يجعله يستوحي منها أهميتها: علامة الصليب، شمعة، تكريم الأيقونات. إن كل حواسه تنشغل بها: رائحة البخور، الألحان. وعلى الجدران مشاهد القديسين المؤثر والهادئ، حيث يَسْبَح في بهاء نور جديد. القبة ترمز إلى السماء مع ملائكتها والنجوم المذهَّبة التي تملأها، وغالباً ما يكون المسيح في الوسط في أيقونة ”البانطوكراطور“.


والطفل يفهم هكذا أن الحدود المكانية والزمنية قد أُلغيَت. فالمشهد الذي نراه في الهيكل أن المسيح يُعطي الإفخارستيا للرسل، نجده يتحقَّق أمامنا عملياً في شركة المؤمنين في الإفخارستيا. ونحن في شركتنا في الإفخارستيا أيضاً نتحد كلنا مع القديسين، حيث تُكتب في ”الذبتيخا“ أي لوحة بأسماء المنتقلين والغائبين الأحياء (ويُستعاض عنها بالورقات التي يُسلِّمها المؤمنون للكاهن بطلباتهم وسؤالاتهم). والطفل يجتمع بهؤلاء في الجماعة الكنسية (وهذه الأسماء تُصاحب التقدمات ”البروسفورا“، وكلها تُقرأ أثناء صلوات الاستعداد وفي مواضع أخرى من خدمة القداس).

الاشتراك في الإفخارستيا:

وهذه هي المرحلة الثالثة من المراحل التي يجب توافرها للطفل ليتفاعل مع ليتورجيا القداس. فإن الغاية القصوى وقمة الليتورجيا هي اشتراك المُعمَّدين، أيّاً كان عمرهم، في سرِّ الإفخارستيا، حتى لو كانوا في أيام طفولتهم الأولى، فاشتراكهم في الليتورجيا يتمركز أساساً حول التناول من الإفخارستيا. هذه الشركة ليست بأي حال شركة من درجة أدنى لأنهم أطفال، ولكنها عن طريق اشتراك الجسد والحواس، تبلغ سرِّياً إلى أن تضاهي في كمالها شركة البالغين في الإفخارستيا.

وهذه الشركة هي أولاً شركة جسدية وحسِّية. ففي ”العشاء السرِّي“ يحدث أن الطفل يقتبل المسيح في جسده. لقد نسينا الأثر الشديد الذي قدَّمته الشركة في الجسد والدم الأقدسين لنا ونحن أطفال رُضَّع. قليلون جداً مَن يجهلون مذاقة السرِّ في سنواتهم الطفولية الأولى. إنه أثر شديد جداً بسبب الطقوس التي تحيط بهذا العشاء السرائري: هذا الإنسان (الكاهن) الذي تدل ملامحه على الجدِّية والجمال الروحاني وهو يرفل في ثيابه البيضاء المنيرة، مُمسكاً كأساً من فضة ويُناول المؤمنين.

هذا اللقاء مع المسيح الذي نحياه - نحن البالغين - سرِّياً في الإفخارستيا، يتلقَّاه الطفل في وعيه الباطن إلى أن يكبر؛ ولكن إذا نحن علَّمناه أن يربط بين الليتورجيا والحياة ويربطهما بتعاليم المسيح، تصير شركته في الليتورجيا بمثابة تحوُّل حياتي إلى المسيح .

أيُّ نصيب يكون للأطفال في الليتورجيا؟!

حتى يكون هذا السلوك ممكناً، يجب على جماعتنا الكنسية أن تترك للأطفال مكاناً ومكانة.
إن ”الشركة“ تعني أن يأخذ الطفل نصيبه في الليتورجيا، وهذا يتضمن أن يرجع للأطفال نصيبهم في الجماعة الكنسية، أي يكون لهم مكان ومكانة كاملتين. فلا يكونون مشاهدين متفرجين أو سلبيين، أو نعتبرهم معكِّرين لصفو هذه الخدمة الكنسية الغريبة عليهم فيُقمعهم آباؤهم وأمهاتهم، وكأن الليتورجيا لا تُقام إلاَّ للبالغين.

هذا يعني أن البالغين يجب أن يقبلوا حضور الأطفال ويتركوا لهم مكاناً، بل ويهتموا بحضورهم خصيصاً. وهذا لا يعني ببساطة أن ذلك واجبٌ أخلاقي، لكنه ضرورة لاهوتية تحكم حضورنا في الكنيسة.

وفي الواقع إن هذا النموذج الذي نحاول أن نخضع له هو على صورة العلاقة بين الأقانيم الثلاثة داخل الثالوث القدوس. فعلى مثال الثلاثة الأقانيم الإلهية، فنحن أيضاً نسعى بنوعٍ ما أن تكون علاقاتنا محتفظة بتنوُّع كل شخص على حِدة، حيث يصوغ هذا التنوُّع مجموعة متوافقة في وحدانية كاملة.

ونحن نتساءل: هل هناك مكان آخر مثل الجماعة الكنسية يمكن أن نشترك فيه بعمق في حَدَث مثل الإفخارستيا، من حيث كوننا أشخاصاً متميِّزين، ولكن دون النظر إلى أوضاعنا الاجتماعية أو الكيانية أو الشخصية.
أيُّ نوع من اشتراك الأطفال، إذن؟

هذه الشركة قد تجمع أحياناً نقيضين: الحضور الغائب. فالطفل قد يكون هناك حاضراً في الكنيسة ولكنه منهمكٌ في اللعب أو الرسم أو الثرثرة. لذلك سيكون نوعاً من التسرُّع أن ندين مثل هذه التصرفات. ”فرانسواز دولتو“(1) قد لاحظت أنه عندما نريد شرح شيء ما مهم للأطفال، فغالباً ما يتخذون ردَّ فعل مُحيِّر: فهم يعطون الانطباع بأنهم يهتمون بأي شيء آخر، ولكنهم يكونون في الواقع مستمعين منصتين. ويُشبَّه الطفل بالأرض التي تسقط عليها البذار، ومَن يدري ما الذي يحدث في أعماق قلبهم؟!

فلكي نساعدهم في المشاركة الواعية في احتفال الليتورجيا، يجب أن نُقدِّم خبرات من الطقوس المختلفة. فالأطفال مدعوون مثلاً أن يُشاركوا - مثلهم مثل البالغين - في اللحظات الحاسمة في الليتورجيا، ونرى أهمية هذا من خلال بعض الممارسات الطقسية. فالأطفال يشتركون في دورة القيامة ليلة عيد القيامة، بل ويسبقون الكهنة ويحوطون بهم ممسكين بالشموع عند قراءة الإنجيل، وهم أول مَن يتناولون. كما يمكننا أن نساعد الأطفال أيضاً بصورة عملية أكثر، لكي نُدعِّم انتباههم ونعدَّهم لليتورجيا في صورة تحفيظهم لحناً أو مردّاً صغيراً من ألحان القداس مثل: تسبحة الشاروبيم التي تفتتح الجزء الثاني من الليتورجيا، أو نداء الشماس في الليتورجيا: ”قفوا بخوفٍ من الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس“ التي تعطي إشارة للإنصات لقراءة الإنجيل، أو للذهاب بحثاً عن قربانة الحَمَل الصغيرة المباركة التي تكون مكافأة لذيذة لهم في نهاية الخدمة الليتورجية.

ونستطيع أيضاً أن نعلِّم الأطفال من خلال مشاهدة ما يُسمَّى ”تمثيلية القيامة“ وفتح وغلق الأبواب الملوكية التي تحجب الهيكل ليلة عيد القيامة المجيد، أو الأدوات التي يتغيَّر مكانها في أسبوع الآلام. وهكذا من خلال هذه المناظر والتحرُّكات التي تحدث في الكنيسة، نُعلِّم الأطفال الكثير عن الصلوات الليتورجية، ما يجعلهم يتابعون ويندمجون في الطقس الليتورجي.

اللقاء يتجدَّد ثانية بلا توقُّف
مع المسيح القائم:


لكي نتجنَّب الملل الناتج عن تكرار نفس الليتورجيا كل يوم أحد، فمن المهم أن نعرض للأطفال نظام السنة الليتورجية، فنُجهِّز القراءات لهم، ونتحدث معهم عن عيد أو تذكار قديسي اليوم لنجعل الأطفال أكثر انتباهاً للتغييرات التي تحدث: مثل لون الملابس الكهنوتية، أيقونة العيد الموضوعة في وسط الكنيسة أو على جانبي الهيكل، أو المردات التي يتغيَّر فيها ذِكر المناسبة الكنسية... إلخ. وهكذا يأتي بُعدٌ آخر يقترن ببُعد الاحتفال الإفخارستي، فيتكون كمٌّ من المعاني التي يكتشفها الطفل وهو ينمو: فيتطابق الزمن اليومي والشهري والسنوي، مع زمن الليتورجيا، ثم مع زمن المجيء (أي فترة صوم الميلاد وما بعد الميلاد).

أخيراً، إن شركة الطفل في الليتورجيا ستتقدَّم بالتوازي مع تقدُّم نموِّه. فالصوم الإفخارستي الأول الذي صامه الطفل قبل التناول، وأول اعتراف قام به أمام الكاهن، هي مراحل مهمة لنمو الطفل في الجماعة الكنسية، والتي يمكن أن يُصاحبها رغبة في شركة أعمق وأكثر مساندة وأكثر وعياً في الليتورجيا في هذه المناسبات. فنستطيع أن نعرض عليه أن يصل مبكِّراً جداً إلى الكنيسة، وأن نطلب منه الانتباه بصفة خاصة ليُتابع المراحل المُبكِّرة من الليتورجيا، مثل: صلوات رفع بخور باكر؛ على أن نقبل ما يصدر منه في فترات الفتور أو الاسترخاء

ففي بعض أقسام الليتورجيا، نستطيع تحديد أوقات متتالية قوية ومهمة، ولحظات أخرى أقل عمقاً، وهي محسوسة حتى من البالغين، فمثلاً: بعد وقت قراءة الإنجيل، وقبل صلاة الصلح التي تُفتتح بها ليتورجية المؤمنين استعداداً للانتقال إلى تقديس الأسرار.

في الختام، يجب علينا أن نجعل أطفالنا يشتركون - كأي شخص - في الليتورجيا. فهذا يجعلهم يستشعرون بالتدريج مدى غِنَى هذا السر الذي لا ينضب. ولأجل هذا العمل، فالتردُّد على الكنيسة في حدِّ ذاته لا يكفي. فالإشارات والعادات والصلوات يجب أن تكون واضحة ومُصاحِبة للطفل وهو في المنزل من خلال الوالدين والمُعلِّمين. وهكذا يصبح وجود الأطفال أكثر فاعلية ووعياً، لأن الشركة الإفخارستية هي لأجلنا أجمعين، وهي بمثابة لقاء دائم متجدِّد مع المسيح القائم.

كاتب هذا المقال
مينا الانبا ابرام
 


 

Inga kommentarer:

Skicka en kommentar