ELIAS PAULUS

ELIAS  PAULUS
ELIAS PAULUS THE BIG LOVE الحب الكبير -اضغط على الصورة-

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

القديس لوقا الإنجيلي الرسول

القديس لوقا هو أحد التلميذين اللذين التقيا بالرب يسوع بعد قيامته من بين الأموات وهما في طريقهما إلى القرية التي تسمى عمواس، وقد تناول الطعام معهما وتحدث إليهما في أقوال الكتب المقدسة التي أشارت إليه وأنبأت عنه.

وقيل في سبب اهتدائه إلى المسيح أنه سمع بأنباء ظهوره في بلاد فلسطين وبأنه يشفي جميع الأمراض بغير دواء أو عقار، فظن في بادئ الأمر أن ذلك وهم وخداع، فقصد إلى حيث المسيح ليتحقق الخبر بنفسه، فرأى السيد المسيح وآمن به وتتلمذ عليه وصار واحداً من السبعين تلميذاً.

كان القديس لوقا من أصل أممي وثني، وقال أوسابيوس القيصري أنه كان من مدينة أنطاكية سورية وكذلك قال القديس إيرونيموس.

وأيَّاً كان القول فهو من أصل يوناني لا يهودي، ويشهد اسمه اليوناني عن أصله، فهو باليونانية لوكاس وهو الاسم المختصر للاسم الكامل لوكانوس، فقد وُجد بهذه الصورة الأخيرة في عنوان الإنجيل الثالث في النصوص الاتينية القديمة، وعلى توابيت من القرن الخامس في آرليس.


وبعد صعود السيد المسيح له المجد، لازم لوقا القديس بولس الرسول وصار مرافقاً له في أسفاره ورحلاته كما يتضح من سفر أعمال الرسل، فقد صحبه في رحلته الثانية من ترواس إلى ساموثراكي ونيابوليس، ثم إلى فيليبي في مقاطعة مكدونية وهي كولونية (أع10:16-17). ثم لازمه من فيلبي ولكن بعد خروج القديس بولس الرسول من فيليبي بقى فيها القديس لوقا يبشر ويعلم نحو سبع سنين، بدليل أنه في الإصحاح السادس عشر من سفر أعمال الرسل كان القديس لوقا وهو كاتب هذا السفر يتكلم بصيغة الغائب إلى أن عاد القديس بولس إلى فيليبي، ومن ثم رافقه القديس لوقا في رحلته الثالثة إلى أسوس وميتيليني وساموس وميليتس (أع5:20-16) وكوس ورودس وباترا وصور وبتولمايس وقيصرية وأورشليم (أع1:21-15، 17، 18)، ثم ذهب معه أيضاً إلى روما (أع1:27، 16:28)، وبقى معه كل المدة التي كان فيها القديس بولس مسجوناً سجنه الأول (كو14:4، 2تيمو 11:4).

ولقد ذكره القديس بولس الرسول في عدة مواضع من رسائله فوصفه مرة بأنه (الأخ) (2كو18:8، 19 – 2كو18:12) ووصفه مرة أخرى في إحدى رسائله بأنه لوقا الطبيب الحبيب (كو14:4)، ووصفه كذلك بأنه الرفيق الوحيد وذلك في رسالته الثانية إلى تيموثاوس حيث قال "لوقا وحده معي" (2تيمو11:4) وقال عنه رسالته إلى فيلمون بأنه وآخرون العاملون معه (فيلمون14).

وقد اشتهر القديس لوقا الإنجيلي بأنه كان طبيباً وقيل عنه أنه قبل تلمذته للمسيح كان تلميذاً لأكبر علماء الطب في زمانه، ومن المعروف أنه لم يكن يُسمح لأحد أن يمارس مهنة الطب في عهد الرومان قبل أن يجتاز امتحانات على جانب كبير من الصعوبة والدقة، وبعد أن صار رسولاً وتلميذاً للمسيح ورفيقاً للقديس بولس الرسول في خدمته وأسفاره لم يحرمه الرسول بولس من لقبه كطبيب فقد ذكره صراحة في رسالته إلى كولوسي بأنه (لوقا الطبيب الحبيب) (كو14:4)، بل إننا نرى أنه لابد أن يكون القديس لوقا الطبيب وراء النصائح الطبية التي أوردها الرسول بولس في بعض رسائله، ومنها قوله إلى القديس يتموثاوس "لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل اشرب قليلاً من الخمر من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (1تيمو8:4). . وكان هو الطبيب الخاص للقديس بولس الرسول صاحب الأمراض الكثيرة.

ولم يكن القديس لوقا طبيباً فقط بل كان مصوراً أيضاً كما يقول كثير من المؤرخين المسيحيين ومنهم نيكوفورس. ولذلك فإنه يُصور عادة وإلى جانبه الثور من جهة وأدوات التصوير من جهة أخرى، ولقد ذكر تاودروس القارئ في الفصل الأول من الجزء الأول من كتابه في تاريخ الكنيسة أن الملكة أفدوكسية أرسلت من أورشليم نحو سنة 400م إلى بولخيريا في القسطنطينية صورة للقديسة العذراء مرسم من عمل القديس لوقا.

والقديس لوقا هو بعينه كاتب سفر أعمال الرسل وقد كتبه بعد الإنجيل ووجهه إلى "العزيز ثاؤفيس" الذي كتب إليه الإنجيل.

وقد رافق لوقا الإنجيلي القديس بولس في أسفاره ورحلاته إلى أن استشهد الرسولان بطرس وبولس في رومية في عهد الإمبراطور نيرون في سنة 68م، وبعد استشهادهما ظل القديس لوقا يبشر في نواحي رومية.

ويقول بعض آباء الكنيسة أنه بشر في دلماتية وغالية وإيتالية ومكدونية، فأبلغوا أمره إلى نيرون إمبراطور الرومان ووصفوه بأنه ساحر فاستدعاه نيرون وعندما بلغه أمر الإمبراطور سلم ما عنده من الكتب إلى رجل صياد وقال له (احتفظ بهذه الكتب فإنها تنفعك وتهديك إلى طريق الله) فلما مّثُلَ أمام الإمبراطور قال له هذا غاضباً (إلى متى تضل الناس بسحرك؟) أجاب القديس لوقا (إني لست بساحر لكني رسول سيدي يسوع المسيح ابن الله الحي) وعندئذ أمر نيرون بأن يقطعوا ساعده الأيمن قائلاً (اقطعوا هذه اليد التي كان يكتب بها) فلما قطعوا يده قال القديس وهو صابر (نحن لا نكره موت هذا العالم، ولكن لكي تعلم أيها الملك قوة سيدي يسوع المسيح) ثم تناول يده وألصقها في مكانها فالتصقت، ثم فصلها فانفصلت فتعجب الحاضرون وآمن وزير الملك وزوجته وجمع كثير فأمر الملك فقطعوا رؤوسهم جميعاً.

وأما القديس لوقا فبعد أن قطعوا رأسه جعلوا جسده في كيس من شعر ثم ألقوه في البحر وبتدبير من الله قذفت به الأمواج إلى جزيرة فوجده أحد المؤمنين فأخذه وكفنه بما يليق.


ويروي التاريخ أن الإمبراطور قسطنطينوس الثاني أمر بنقل رفات القديس لوقا من طيبة في بيثينية إلى القسطنطينية حيث حُفظت في كنيسة الرسل التي بُنيت بعد ذلك مباشرة.

ومن التقليد نعلم أن القديس لوقا الإنجيلي عاش بتولاً وأنه عندما استشهد كان ابن 84 عاماً.

بركة صلواته فلتكن معنا آمين.

الجمعة، 14 أكتوبر 2011

حياة القديس يعقوب الحمطوري

القديس يعقوب الحمطوري ورفاقه


القديس يعقوب الحمطوري ورفاقه
يذكره السنكسار الانطاكي بايجاز في مخطوطة بلمندية تحت رقم 149، في اليوم الثالث عشر من شهر تشرين الاول ، لكنَ القديس بعد ان نسي بسبب استبدال المخطوطات المحلية بالترجمات عن اليونانية ،التي اغفلت القديسين المحليين. فكان دوما حاضرا مع المصلين ، فمنهم من يظهر لهم ويباركهم، ومنهم من يشفي.وكان مرارا يرتل في الكنيسة فيسمعه الرهبان والزوار، ويتشددوا في جهادهم . وقد اوصى احدى المؤمنات باخبار الرهبان ان سيكشف لهم قبره، فلم يكترث الرهبان لهذا الامر ، لكنه في الثالث من تموز 2008 ، فيما كانت اعمال تجديد البلاط جارية ، وجدت عظام انسانية تحت تراب ارض الكنيسة وبان قبر صغير يحوي هيكلين عظميَين ، تظهر عليهما آثار التعذيب والضرب ، وبعض الدم المتجمد ، وبعض عظامه ، وهيكلين آخرين تبيَن بعد الفحوصات المخبرية الحديثة التي اجراها الدكتور ناجي صعيبي، المتخصص بالطب الشرعي، ان الهيكلين يعودان الى 650 سنة على احدهما آثار حريق وقد قطعت هامته وفقدت الفقرة الثانية من رقبته . مما يدل حسب المواصفات التي يذكرها مخطوط السنكسار البلمندي ، انها للقديس يعقوب الحمطوري الذي كان في الخمسين من عمره ، وكذلك رفيقه في الاربعين .اما الهياكل الاخرى فترجع الى 450 سنة تقريبا .
اعتبر الاقدمون هذه الرفات مقدسة ، فلم يدفنوها في مدافن عادية، بل في وسط الكنيسة وبطريقة سريعة نتجية الضغوطات والاضطهادات . كذلك وجدت تحت المائدة المقدسة بعض عظام جمجمة الطفل : مما يدل على ان الاقدمين قد اعتبروهم شهداء. حين تعرضت الكنيسة للتخريب ، أعادوا تكريسها في 16 تشرين الثاني سنة 1894 اي قبل مئة واربعة عشر سنة . ان عددا كبيرا من المؤمنين يزور الدير ويتبارك بصلاة والدة الاله القديسة والقديس يعقوب الحمطوري .
واليوم بات تكريمه اكثر شيوعا من ذي قبل ، فكيثرون ممن يباركهم القديس ورفاقه يرجعون الى الدير ، ليدلول بشهادة بسيطة مسجلين شكرهم زمحبتهم للرب القدوس، الذي اعطانا اياه ورفاقه منارات ترشد الى طاعة الله ومحبة القريب بما يغدق من اشفية ونعم .
وبعد بركة سيادة راعينا الجليل المتربوليت جاورجيوس الكلي الطوبى، بات بامكاننا ان نضيف الى طلباتنا وتذكاراتنا عبارة " الآباء شهداء حمطورة " الذين وجدت عظامهم في كنيسة الدير . وسنعيَد لهم بالاضافة الى القديس يعقوب في ذكرى العثور على بقاياهم الشريفة في الثالث من تموز .
فلتنفعنا صلواتهم ، وليتمجد الرب في قديسيه ، آمين
الارشمندريت بندلايمون
رئيس دير السيدة في حمطورة
والاخوة الذين معي


السبت، 8 أكتوبر 2011

القديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس

ابينا البار نكتاريوس، أسقف المدن الخمس، الصانع العجائب ومؤسس دير الثالوث القدّوس في جزيرة آيينا اليونانية

وُلد أنسطاسيوس (القدّيس نكتاريوس) سنة 1846 م في "سيليفْريا – SILIVRIA" في منطقة "ثْراكي - "THRAKI في بلاد اليونان، من أبويين تقيَّين: "ذيموس" و "فاسيليكي" .

تلقَّى انسطاسيوس دروسه الأولى في بلدة سيليفْريا إلاّ أنَّه لم يستطع متابعة علومه بسبب فقر عائلته.

أبدى أنسطاسيوس منذ طفولته ميلاً شديداً كي يصبح لاهوتيّاً يكرِزُ بالإنجيل. فكان عندما يردّد مع جدَّته المزمور الخمسين" ارحمني يا الله بعظيم رحمتك..." وعندما يصلان إلى "فأُعلِّم الأثمة طرُقَك، والكفرةُ إليك يرجعون" كان يضع يده على فم جدَّته قائلاً لها: "جدتي دعيني أقوله أنا، أنا سوف أُعلّم الناس". وفي إحدى المرات عندما ناهز السابعة من عمره، اشترى مجموعةً من الأوراق وأخذ يجمعها ككتاب، فسألته أمُّه: "ماذا تفعل يا بنيّ؟!" فأجابها: "سأصنع من هذه الأوراق كتاباً أكتبُ عليه كلام الّله". وكم من المرات بعد عودته من الكنيسة كان يجمع الأولاد الذين من عمره ويتلو عليهم العِظة التي سمعها. أمَّا أهله وأقرباؤه فعندما كانوا يرون حماسه هذا كانوا يقولون: "تُرى ماذا سيصبح هذا الصبي؟!".

عندما أصبح في الرابعة عشرة من عمره ذهب إلى القسطنطينية بهدف العمل. وهناك بعد جهدٍ جهيدٍ تمكّن من الحصول على عمل عند أحد أقربائه في معمل للدخّان. إلاّ أن أجره كان قليلاً جدا ممّا اضطره لأن يمضي أيامه جائعاً مَعُوزاً. كان يزورُ الكنيسة بشكلٍ متواصل مستمداً تعزيته من الصلاة الدائمة.

في أحد الأيام كتب رسالةً على المسيح طالباً منه المعونة جاء فيها ما يلي:

"يا ربّي يسوع، تسألني لماذا أبكي. ثيابي اهترأت وحذائي تخرَّق، وأنا حافي القدمين، موجوعٌ متضايق. نحن في فصل الشتاء وأنا بردان. البارحة مساءً أعلمت صاحب المحل بحالي فسبَّني وطردني. قال لي أن اكتب رسالةً إلى القرية حتى يبعثوا لي بما أحتاج إليه. ولكني، يا ربّي يسوع، منذ أن بدأتُ بالعمل لم أُرسٍلْ لوالدتي قرشاً واحداً...ماذا تريدني أن أعمل الآن؟... كيف أعيش بلا ثياب؟... ثيابي أَرتيها فتعود وتتمزَّق من جديد. سامحني على إزعاجي. أسجد لكَ وأمجِّدُك.

خادمُك أنسطاسيوس"

ثم طوى الرسالة ووضعها في ظرفٍ وكتب العنوان التالي: "إلى ربّنا يسوع المسيح في السماوات".

لكن موظف البريد عندما رأى هذا العنوان الغريب فتح الرسالة وقرأها وكان لها وقعٌ كبيرٌ في نفسه، فأعطى أنسطاسيوس مبلغاً لا بأس به من المال، فأخذه أنسطاسيوس شاكراً واشترى له ثياباً وحذاءً وبعض الحاجيّات الأخرى، إلاّ أنّ صاحب العمل عندما رأى ثيابه جديدة طرده متّهماً إيّاه بالسرقة، فذهب وعمل في أحد المحال.

كان أنسطاسيوس يتوقُ دوماً لزيارة الأماكن المقدّسة، وهكذا في أحد الأيام عزم على السفر بحراً إلى المدينة المقدّسة، لكن المركب في مسيرته الطويلة واجه عاصفةً هائلةً وأشرف على الغرق، فصرخ القبطان بالمسافرين كي يلجأوا إلى قوارب النجاة. إلاّ أن أنسطاسيوس صرخ إلى ربّه قائلاً: "كيف تسمح بهذا؟! لا أريد أن أموت، أريد أن أحيا كي أكرز بك". وأخرج صليبه، الذي قد أعطته إيّاه جدّته، من عنقه وربطه بزناره ودلاّه إلى البحر ثلاث مرات، ويا للعجب! إذا بالعاصفة تهدا وأخذ الجميع يمجّدون الله وعمّ الفرح. لكن أنسطاسيوس أضاع صليبه إذ أفلت من يده في مياه البحر... وأثناء مسيرتهم أخذوا يسمعون ضرباتٍ في أسفل المركب. فأرسل القبطان بحّارة كي يروا الأمر، لكنهم لم يجدوا شيئاً. وعند وصولهم إلى الميناء عادوا فسمعوا هذه الضربات. فأرسل القبطان قارباً كي يبحث خارج المركب عن السبب. وعندما توجّهوا إلى مكان الصوت فإذا بهم يجدون صليباً صغيرا، وكان صليب أنسطاسيوس! ومنذ ذلك الحين لبس أنسطاسيوس صليبه الصغير هذا طوال حياته. إنّه الصليب الذي يظهر في إحدى صوره مع اسكوفّتِهِ الرهبانية.

هناك في مدينة القدس توظّف في مدرسة القبر المقدّس حيث اخذ يعلّم في الصفوف الابتدائية بينما يتلقّى الدروس في الصفوف العليا في الوقت ذاته، وكان يعكف على مطالعة كتب الآباء وخاصة حياة القدّيسين. هذه الفترة من حياته كانت ذهبية لأنه عمل في حقل الكنيسة. لم يفتٍنْه العالم في شيء، بل المصلوب والكنيسة الأرثوذكسية المصلوبة التي أغنت وتُغني الكثيرين.

في العشرين من عمره ذهب إلى جزيرة "خيوس"، في بلاد اليونان، وسكن في قرية "ليثي" حيث عمل فيها كمدرس لمدة سبع سنوات. ترسّخت في نفسه خلال هذه السنوات بديهيّتان:

أولاهما: أن كلّ إنسان مولودٌ خاطئاً، شاءَ أم أبى، وأنّ هذا العالم موضع السقطات الذي علينا فيه أن نصارع الخطيئة. وثانيهما: أنّ الربّ يسوع المسيح، كلمة الله، الأقنوم الثاني من الثالوث القدُّوس، المصلوب والناهض من بين الأموات، الذي لمسه توما، هو إيّاه المخلّص الأوحد.

هاتان البديهيّتان كانتا بالنسبة إليه بداية الطريق إلى السماء ونهايته. كان همّه الأول والأكبر أن يضيء شعلة الأرثوذكسية في النفوس من جديد. كان معروفاً ببساطته وصدقه وأمانته. ففي المدرسة كان يسهر على تلامذته معتنياً بهم. وعندما يعود إلى بيته كان يغلق على نفسه عاكفاً على الصلاة والصوم.

لكن شوقه للحياة الملائكية وغلى تقديم ذاته كليّاً للرب كان يزداد يوماً بعد يوم، فذهب إلى دير جزيرة "خيوس" وترهّب فيه. وبقي في الدير ثلاث سنوات مُجاهداً وعاكفاً على الصلاة ومطالعة الكتب المقدّسة والآباء، فأحبّه جميع الرهبان وقدّسوا جهاده.

وفي عام 1877م سامه ميتروبوليت الجزيرة شمّاساً باسم "نكتاريوس" في كنيسة القدّيس مينا العجائبي.

أراد أحد سكان الجزيرة ويدعى "خورميس" أن يقوم بمساعدةٍ لبلده، وذلك بأن يدرّس أحد شبّانها على نفقته. وعندما سمع بالشمّاس الجديد أرسله بإذن الميتروبوليت إلى أثينا حيث أنهى دراسته الثانوية هناك، وبعد ذلك أرسله خورميس إلى بطريرك الإسكندرية "صوفروينوس" مع رسالةٍ يطلب فيها من البطريرك مساعدة الشمّاس نكتاريوس. فقبله البطريرك بفرح، وعندما تحقّق من فضيلته أرسله من جديد إلى أثينا كي يدرس اللاهوت. فنال إجازة اللاهوت عام 1885 م. وبعد عودته إلى الإسكندرية سامه البطريرك كاهناً عام 1886 م، وعيّنه واعظاً وأميناً لسرّ البطريركية، فضلاً عن كونه الوكيل البطريركي في القاهرة، فأخذ القدّيس نكتاريوس يقوم بعمله بكل جدّ ونشاط.

مضت على هذه الحالة خمس سنوات، حيث سيِمَ بعدها ميتروبوليتاً على "المدن الخمس - PENDAPOLEOS"، وقد أحبّه الجميع وتعلّقوا به لتواضعه وبساطته وسعة قلبه. فقد فهم الكهنوت لا تسلّطاً وزعامة بل خدمة وتواضعاً وبذلاً للذات. وكان يصلّي إلى الربّ قائلاً: "ربّي، لماذا رفعتني إلى هذه المرتبة العالية؟ لقد طلبت منك أن أصبح لاهوتياً فقط وليس أسقفاً. منذ صباي كنت أطلب إليك أن تؤهلّني لأصير واحداً من عمالك البسطاء، أمّا أنت يا ربّ فإنك تختبرني الآن بأمور كثيرة، لكني أخضع لمشيئتك وأطلب إليك أن تجعل فيّ التواضع دائماً، وأن تغرس فيّ بذور الفضائل الأخرى، وأن تؤهّلني لأن أعيش بقية زمان حياتي حسب قول الرسول بولس الإلهي: لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ".

ولكن للأسف، وشى به بعض الغيورين إلى البطريرك على أنّه يسعى لأن يصير بطريركاً، فصدّق البطريرك الوشاية الكاذبة وغضب على نكتاريوس وطرده خارج مصر. أما القدّيس فقد قبل ما قد حلّ به بشكرٍ ودون أيّ تذمّر واعتبره امتحاناً إلهياً.

وهكذا وجد نكتاريوس نفسه مقطوعاً، مُبعَداً، مشوّه السمعة. ومنذ تلك اللحظة أضحت حياته سلسلة من المحن كأنها لا تنتهي، فلا يكاد يمرّ نهارٌ من دون شقاء ومرارة وهموم وفخاخ تُنصَب له هنا وهناك، ومؤامرات صغيرة وكبيرة تُحاك ضدّه كما لو كان إنساناً خطيراً. والحقّ أنه هكذا كان خطيراً ولكن، بوداعته وصبره. لقد لاحقه عدّوه في كل مكانٍ لاسيّما من خلال ذوي النفوس الصغيرة، وعدوّه كان إبليس، ولإبليس في العالم ألف عميل وعميل.

أتى نكتاريوس إلى أثينا عام 1889م ولم يكن يملك شيئاً، لا مال ولا ممتلكات. ولحقت به الوشاية الكاذبة إلى أثينا، ووصِم اسم نكتاريوس بالعار والزنى واللاأخلاقية، فبقي سنة كاملة دون أي عمل عابرا أيامه باتكاله على الله ومعونته الإلهية.

وأخيراً تمّ تعيينه في "خلكيذة" - منطقة قرب أثينا - فشكر الرب واستلم مهمّته وأخذ يعمل كعادته بكل جدّ ونشاط بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها من خصومه والواشين به. بقي في مركزه هذا مدة سنتين ونصف، إلى أن انكشف الأمر على حقيقته عندما أرسل سكان الإسكندرية رسالة إلى أثينا يوضحون فيها محبّتهم وتعلّقهم بالقدّيس وأنّ ما لحق به لم يكن سوى وشايات كاذبة.

وهكذا تغيّرت الأمور وانقلبت لصالح القدّيس، فنقلوه إلى "لاكونية" ومن ثمّ إلى "افثيوتيذة"، ومن هناك تمّ تعيينه مديراً للمدرسة الإكليريكيّة، مدرسة "روزاريو"، في أثينا، وذلك في عام 1894م.

أمّا هو فكان كعادته يبذل كلّ طاقاته وجهوده كي يخدم بالطريقة الأفضل، فكان يعطي نفسه دون حسبان في سبيل الآخرين وخلاص نفوسهم. كان مديراً وأباً في الوقت ذاته ممّا جعل الطلاب يتعلقون به ويرجعون إليه في أمورهم. لقد بلغت مدرسة "روزاريو" أوجّها في أيام القدّيس نكتاريوس.

بقي القدّيس مديراً للمدرسة 14 سنة، وإنّ نشاطه خلال هذه المدّة لم ينحصر في المدرسة فقط، بل كان يعِظ في كنائس عديدة في أثينا، كما كان يلجأ إليه العديد من الشبان والشابات للاسترشاد والاعتراف. وأعطى من وقته أيضاً للكتابة، فترك لنا مؤلفات مفيدة جداً.

كان القدّيس نكتاريوس مثالاً لمشاركة الآخرين في آلامهم وأفراحهم. فعندما كان مديراً للمدرسة مرض الموظف المسؤول عن مهام التنظيفات، وأوصاه الأطبّاء ألاّ يعمل لفترة شهرين. لكن هذا المسكين كيف سيعيش؟ إذ لم تكن موجودة بعد التأمينات الاجتماعية لمساعدة الموظفين، فكان من الطبيعي أن يعيّنوا شخصاً آخر مكانه. لكن القدّيس قال له: "انتبه أنت إلى صحتك وكلّ الأمور سوف تتدبر". وهكذا ففي كل صباح، وقبل أن يستيقظ التلاميذ، كان ينهض القدّيس وينظف الساحات والممرات والمراحيض، دون أن يعيّن شخصاً آخر مكان ذاك، وكان يدفع الأجر المعتاد للموظف المريض.

وحدث في أحد الأيام أن أتى هذا الموظف إلى المدرسة بدافع الفضول، وإذ به يشاهد القدّيس ماسكاً بالمكنسة ينظف الساحات، فبُهت ووقف متأملاً وقال له: "أأنت يا سيّدنا تنظّف عني؟ لن أقبل هذا أبداً" فقال له القدّيس: "أنت يا ولدي اذهب إلى بيتك وانتبه إلى صحتك ولا تهتم الآن بنظافة المدرسة، لأننا إن عينّا آخر سواك فسوف نخسرك، وهكذا عليّ أن أساعدك في شدّتك هذه، لكن انتبه ألاّ تقول لأحد عمّا شاهدت".

أحبّ القدّيس نكتاريوس حياة الرهبنة كثيراً، فكان يؤمن أنّها العظة الأكبر للناس، وهكذا كان مسعاه أن يؤسّس ديراً ما، وقد تحقّق حلمه، إذ أنّ ثمانية بنات من أولاده الروحيّين أردن الترهّب، فأتى بهنّ إلى دير الثالوث الأقدس، الكائن في جزيرة صغيرة بالقرب من أثينا تدعى "آيينا- AIGINA". حيث أرسل في البداية ثلاثة منهن، ومن ثمّ رويداً رويداً التحقت الأُخريات بالدير. كان يتردّد عليهن من المدرسة التي يديرها من أثينا كي يرعاهن ويدبّر أمورهن الروحيّة والماديّة.

ويروى أنّه عندما أتى القدّيس نكتاريوس إلى "آيينا" للمرة الأولى حدث ما يلي:

كان يوجد في الجزيرة شابٌّ يدعى اسبيرو وفيه شيطان، هذا كثيراً ما كان يتنبأ بأمور، أحياناً صحيحة وأحياناً كاذبة. وفي ذلك اليوم الذي أتى به القدّيس إلى الجزيرة، أغلق اسبيرو عينيه وأخذ يصرخ ويقول: "إنّ نكتاريوس آتٍ، هذا سوف يخلّص الجزيرة. القدّيس يأتي، هذا سوف يخلّصنا، فاستعدّوا لاستقباله". وكان الناس يسمعونه دون أن يفهموا شيئاً، فنادوا الكاهن ميخائيل من الكنيسة، الذي أتى وسمع بنفسه ما يقوله اسبيرو، فاحتار في الأمر وما كان منه إلاّ أن ذهب مباشرةً إلى الميناء، وإذا بسفينة تصل في ذلك الوقت وكان عليها القدّيس نكتاريوس، فاستقبله الأب ميخائيل وقال له: "سيّدنا، هناك شابٌ قريبٌ من ههنا قال إنّك سوف تأتي وهو يتنبأ عنك دون أن نفهم شيئاً" فقال القدّيس: "أين هو هذا الشاب؟" فأخذه إلى الموضع الذي كان فيه اسبيرو، فلمّا رآه القدّيس رسم بعصاه إشارة الصليب على فمه، وإذا بالشاب يقوم ويقبّل يد القدّيس. ومنذ ذلك الحين أصبح صحيحاً ودخل المدرسة وأنهى دروسه ومن ثمّ تزوج وأنجب أولاداً. وهذه الحادثة جعلت أهل الجزيرة جميعاً يحترمون القدّيس.

وحدث أيضاً أنّه انحبس المطر وجفّت المياه وعطشت الأرض في الجزيرة، فأتى محافظ الجزيرة مع بعض المسؤولين إلى القدّيس متوسّلين إليه أن يتضرّع إلى الله كي يهطل المطر. فقال لهم القدّيس: "سيتم هذا،لكن ليس الآن، بل في الأحد المقبل، أمّا أنتم فصوموا وكونوا مستعدّين للقدّاس الإلهي والمناولة". وبالفعل، فقد أتى القدّيس في الأحد المقبل وأقام الذبيحة الإلهية وتضرّع إلى الرب، ومنذ الظهيرة ملأت الغيوم السماء وأخذ المطر بالنزول، واستمرّ مدّة شهرين حتى فاضت الينابيع، فأخذ أهل الجزيرة يتوسّلون إلى القدّيس كي يصلّي إلى الله ليتوقّف المطر، فقال لهم القدّيس: "يا أولادي، إن الله يعرف أكثر منّا ماذا يفعل" وبعد وقت قليل توقّف المطر!...

في بداية مجيئه إلى الجزيرة وتأسيس الدير ساعده كثيراً الأب ثيودوسيوس بابا كونسطنطينو رئيس دير رقاد السيدة - في آيينا - حيث كان يساعد الأخوات مادياً وكان يؤمن لهم كاهناً للقيام بالخدمة الإلهيّة، إلى الوقت الذي أتى فيه القدّيس وسكن نهائياً في الدير.

استقال القدّيس من عمله في المدرسة لأسباب صحيّة، وأقام في الدير الذي أسّسه حيث أمضى بقية عمره فيه. عاش القدّيس نكتاريوس في الدير راهباً حقيقياً، وكان شديداً ودقيقاً في كلّ الأمور، وديعاً متواضعاً، يشعر مع الآخرين ويتعاطف معهم فلم يسمعه أحدٌ في الدير يصرخ أو يشتم، بل كان يبارك دوماً.

كان هو كاهن الدير أيضاً وكان يقوم بجميع الخدمات من الاهتمام بالحقل وجلب المياه إلى الدير...الخ. وكثيراً ما كان يساعد العمال.

وإنّ الأب فيلوثيوس زورفاكوس يذكر أنّه ذهب مرة إلى الدير كي يرى القدّيس، وقبل أن يصل إلى البوابة شاهد راهباً يعمل خارج الدير، وكانت الساعة حوالي الثانية عشرة ظهراً في شهر آب، فصرخ إليه قائلاً: "أيّها الأب أريد أن أرى سيّدنا المطران" فقال له الراهب: "ادخل إلى الدير وهناك سوف تراه"، ويقول الأب فيلوثيوس: "لقد دخلت الدير وانتظرت، وإذا بي أرى الراهب الذي كان يعمل في الحقل آتياً. لقد دخل إلى الغرفة وغيّر ملابسه وأتى لعندي. كان هو المطران".

أحبّ القدّيس نكتاريوس كثيراً القدّيس مينا، ولا ننسى أنّه شُرطِن شماسّاً في كنيسة القدّيس مينا في جزيرة "خيوس", وكان يظهر له القديس مينا بشكل متواصل.

ففي مساء أحد الأيام ذهبت الراهبات إلى غرفته لتُعلمه أنّ المائدة جاهزة، لكنها رأته جالساً مع جنديّ، فعادت أدراجها دون أن تقول له شيئا، لأنه كان قد أوصى بألاّ يزعجه أحدٌ عندما يكون جالساً مع شخص ما. إلاّ أنّ الراهبات أرسلْنها من جديد لتعلًمه أنّ المائدة جاهزة، فذهبت ورأت الغريب يغادر الدير فسألت القدّيس: "آه يا سيّدنا من كان هذا الجندي؟" فقال لها: "أشاهدته؟" ووضع يده على فمها مشيراً ألاّ تقول لأحد عمّا رأت. وقال لها: "إنّه القدّيس مينا".

وحدث أنّه عندما باشروا ببناء الدير، كانوا يأخذون المياه من نبعٍ لأحد جيرانهم، ولكن بما أن الماء كان قليلاً امتنع صاحب النبع عن إعطائهم مياه من نبعه. فلجأ القدّيس إلى الصلاة، وكانت النتيجة أن فاض النبع بشكل ملحوظ ممّا جعل صاحب النبع لا يكتفي بإعطاء الدير ماءً منه بل وهب نبعه للدير. وهكذا كان القدّيس باتكاله على الربّ يعبر كلّ الصعوبات التي تواجهه.

اهتم القدّيس نكتاريوس بالكتابة أيضاً، فكان يُمضي الليالي ساهراً، مصلّياً مواظباً على المطالعة والكتابة. وترك لنا العديد من المؤلّفات المفيدة جداً، منها: (حول الانشقاق - الخريستولوجية - الإعلان الإلهي في العالم - أهمية المجامع المسكونيّة السبعة - المعرفة الحقّة والمعرفة الكاذبة - الأخلاق المسيحيّة - خلود النفس - الاعتراف - سر الشكر الإلهي - دراسة حول التوبة - كنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة - حول الأسرار الإلهيّة - تاريخ الصوم المحدّد من قبل الكنيسة....الخ) وهناك العديد من كتبه لم تنشر بعد.

كان يملك موهبة معرفة المستقبل، فكان يحذر الكثيرين من أمور ستحدث معهم ويساعدهم على خلاص نفوسهم:

v عندما أنهى الأب فيلوثيوس زورفاكس الخدمة العسكرية أراد الذهاب إلى جبل آثوس كي يترهّب هناك، لكن القدّيس نصحه بأن يذهب إلى دير "لونغوفارذة" في "باروس - PAROS "، إلاّ أنّ! الأب فيلوثيوس أبدى تحفظاً تجاه كلام القدّيس الذي قال له: "إن شئت اذهب إلى الجبل، لكنك في هذا الدير ستنتهي، وفيه ستقضي حياتك". وبالفعل قرّر الأب الذهاب إلى الجبل مع أحد أصدقائه للترهّب هناك، وعندما وصلا إلى تسالونيك - وكان الأتراك ما زالوا فيها - أراد السجود للقدّيس ديمتريوس في كنيسته، لكن الأتراك قبضوا عليهما وقادوهما إلى المحاكمة، حيث حكم عليهما نائب الباشا بالسجن، فقيّدوهما وساقوهما إلى السجن. وفي طرقهم إليه صادفوا الباشا الذي أطلق سراحهما، فتذكّر آنئذٍ الأب فيلوثيوس قول القدّيس له: "اذهب، لكنك في أحد الأيام سوف تعود" فعاد أدراجه وذهب إلى دير"لونغوفارذة" وأمضى بقية حياته فيه.

v وحدث أيضاً أنّ ابنة عم إحدى الراهبات حضرت لزيارة الدير لعدة أيام ثمّ عادت إلى بيتها، وبعد فترة تزوّجت. فأخبرت الراهبات القدّيس بأن (فلانة) قد تزوّجت. فقال لهنّ: "هذه سوف تصبح راهبة" فقلن له: " كيف ستصبح راهبة وها نحن نقول لك إنّها تزوجّت؟" فأجابهن: "ستصبح راهبة، إنّي أراها أمامي لابسة الجبّة" وفعلاً، بعد عدّة سنواتٍ توفي زوجها، فترهّبت وأصبحت رئيسة دير القدّيس مينا في الجزيرة نفسها.

عرف الجميع القديس نكتاريوس رجل صلاة. فكان يشفي بصلاته المرضى ويُخرج الشياطين من نفوس الكثيرين. وبالرغم من هذا كلّه فقد واجه صعوبات كثيرة ووشايات كاذبة، هكذا شاء له الله أن تكون حياته جهاداً مستمراً مع شدائد وضيقات.

اتّهمه البعض بالكبرياء والفريسيّة، وأن كلّ ما يقوم به ليس إلاّ تكبّراً، وأنّه إنسان كاذب مرائي. كما اتّهمه البعض الآخر باللاأخلاقية حتى توصّل البعض لأن يتّهموه بالزنى وأنّه ينجب أولاداً ويرميهم في البئر.

وحدث مرة أن امرأة تدعى " كيرو" كان لها ابنة في السادسة عشر من عمرها، وهذه الأمّ لم تكن طبيعيّة، وقد حاولت عدة مرات أن تُميت ابنتها. فهربت الابنة المسكينة أخيراً ولجأت إلى الدير، فقبلها القدّيس وحماها. لكن الأم حنقت على تصرّف القدّيس وأخذت تشيع عنه أنّه رجل زانٍ، وذهبت إلى المحكمة في "بيرية - PIREA" (ميناء أثينا) وقالت أنّ نكتاريوس الذي يدّعي نفسه أنّه راهب أخذ ابنتي إلى ديره، مع العلم أنه رجل لا أخلاقي... وأخذت تبكي طالبة أن يعيد لها ابنتها. فأخذ النائب العام جنديّين وتوجّه إلى جزيرة "آيينا" وقصد الدير، وعندما وصله دخل دون استئذان، وتوجّه نحو الشيخ القدّيس الذي بلغ آنذاك من العمر السبعين سنة، قائلاً له: "أيّها الراهب المرائي، أين تضع الأولاد الذين تُنجبهم؟ أهذا ما تفعله هنا؟" ثم أمسك به من جبّته وقال له ساخراً: "سوف أنتف لك لحيتك شعرةً شعرة" أمّا القدّيس فبقي صامتاً ولم يجبه بشيء سوى أنّه رفع عينيه إلى السماء وقال: "الله يرى ويعرف كلّ شيء". وبعد مضي أسبوع أصابت النائب العام آلام قاسية جدّاً، أمّا يده التي شدّ بها القدّيس فقد أُصيبت بغرغرينا قوية جداً أخذت تتفشّى بسرعة كبيرة في جسمه، ممّا أذهل الأطباء الذين عجزوا عن علاجه ومعرفة سبب ذلك. وبعد شهرين أتت زوجته إلى الدير طالبة مقابلة القدّيس، وعندما دخلت إليه ركعت أمامه متوسلة إليه أن يغفر لزوجها المهدّد بالموت، فأجابها القدّيس: "لم يكن في قلبي أيّ حقد تجاه زوجك لا بل وقد سامحته من اللحظة الأولى، كما أنّي سوف أتضرّع الآن إلى الربّ من أجله". لكن إرادة الرب كانت أن توفي ذاك الرجل بعد أيام قليلة جزاء عمّا فعله.

عاش القدّيس نكتاريوس في ديره مدة /12/ سنة، وفي عام 1920م أُصيب بآلام وأوجاع شديدة فذهب إلى دير للسيدة العذراء- في الجزيرة ذاتها - كي يتضرّع إلى أيقونة والدة الإله من أجله. وقضى ساعات طويلة أمام الأيقونة راكعاً يصلّي، ومن ثمّ عاد إلى ديره، وأثناء عودته قال للراهبة نكتاريّة التي كانت ترافقه: "هذه آخر مرة أبارك فيها الدير، لأنّي أرحل" فسألته الراهبة: "إلى أين ستذهب يا أبي؟" "إلى السماوات" "ونحن ماذا سيحلّ بنا بدونك؟" " أنتم سوف يأتون كثيرون ليهتمّوا بكم، لا تقلقي". ومنذ ذلك الوقت أصبحت آلامه قويّة جداً، فنقلته الراهبات إلى المستشفى في أثينا. وهناك سأل الممرض الراهبة: "أراهب هو؟" أجابته: "إنه مطران!" قال لها: "دَعي المزاح الآن، ما اسمه ومن هو؟" أجابته: "إنه مطران المدن الخمس. إنّه نكتاريوس!" فقال منذهلاً: "مطران هو، ولا يحمل ذهباً على صدره! ولا يملك دراهماً!" . فحقاً لم يملك القدّيس نكتاريوس دراهماً البتّة، بل عاش كأحد الفقراء المتواضعين!".

وبقي في المستشفى مدة شهرين تقريباً معانياً الآلام والأوجاع القاسية، ومن ثمّ غادر هذه الدنيا في التاسع من تشرين الثاني عام 1920م بعد أن تناول الأسرار الإلهية. وبينما يلفظ القدّيس أنفاسه الأخيرة ألبسته الراهبات ثياباً جديدة. وعندما ألبسوه القميص، وضعوا قميصه القديم على السرير المجاور، الذي صدف أن كان عليه شخصٌ أعرج، فإذا به يصحّ ويقوم ماشياً ممجّداً الله. أمّا الغرفة فقد امتلأت برائحة زكيّة فاضت من جسد القدّيس.

وفي اليوم التالي نقلوه إلى ديره في "آيينا" حيث رافقه جمع غفير من الكهنة والناس، واستقبله أهل الجزيرة بالبكاء بينما كانت الأجراس تدق، ووضعوه في كنيسة الدير. وعند المساء أُقيمت صلاة الجناز، وأثناءها عرق كتف القدّيس وكثيرون أخذوا من عرقه بواسطة مناديلهم بركة منه. ثمّ دفنوه في قبره في الدير.

أما قصة هذا القبر فهي كالتالية:

v قبل أن يذهب القدّيس إلى دير الثالوث الأقدس كانت تقيم فيه راهبة بسيطة. أرادت هذه الراهبة في إحدى المرات أن تزرع شجرة حور، فأخذت الشتلة وذهبت إلى المكان الذي تريد زرعها فيه، فسمعت صوتاً يقول لها: "لا تزرعيها هنا، ابتعدي قليلاً اتركي مكاناً لقبرٍ في هذا المكان" فلم تردّ على الصوت. فعادت وسمعت الصوت ثانيةً، إلاّ أنها لم تصغ أيضاً. عندئذٍ شعرت بيد خفيّة تدفعها إلى الوراء...وهكذا زرعتها في المكان الذي حدّده لها الصوت، وهذا كان قبر القدّيس.

v الراهبات كنّ قد وضعن القدّيس في قبر آخر، إذ لم يكن قد أُعدّ قبره بعد. وبعد خمسة أشهر إذ أردن نقله إلى قبره المعدّ له فكّرت الرئيسة قائلة في نفسها، كيف سيفتحن القبر إذ لا بدّ وأن جسده قد أنتن. ففي تلك الليلة ظهر القدّيس لإحدى الراهبات وقال لها: "كيف حالك؟ فأجابت الراهبة: "حسنةٌ بصلواتك" "اقتربي منّي كي أباركك" وباركها كعادته، ثمّ قال لها: "هل تخرج منّي رائحة؟" " لا !" "هل أنت متأكدة أنّه لا تخرج مني رائحة كريهة؟" "نعم يا أبتِ، من يقول عنك أنك لست نظيفاً؟" "الرئيسة، هي تقول هكذا، انظري إليّ حسناً، ألستُ كاملاً؟" "نعم يا أبتِ". وبالفعل عندما أخرجوه لم يكن جسده قد اعتراه أيّ فسادٍ بل كان يشحّ برائحة زكيّة. فأزالت الراهبات عنه التراب ووضعنه في قبره.

وقد أتى رئيس أساقفة أثينا وتحقّق من الأمر وأعلن أنّ هذا دليل قداسة الأب نكتاريوس. ومن ثمّ أعلنته البطريركية قدّيساً بشكل رسميّ عام 1961م. وأُقيم زياح ٌ كبيرٌ في "آيينا" حضره جمع من المؤمنين، الذين طافوا شوارع المدينة احتفالاً وطلباً لشفاعة القدّيس. وفي عام 1963م وضعوا بقاياه في آنية فضيّة ووضعوها في كنيسة الدير كي يسجد لها المؤمنون ويتباركون منها.

لقد صنع القدّيس نكتاريوس آلاف العجائب بعد رقاده وحتى الآن، وبدون توقّف وبلا حدود، فلم يعجز أمامه مرضٌ أو شدّةٌ من الذين طلبوا منه بإيمان:

v إنّ السيد ديمتريوس باناغوبوس - من أثينا - كان رجلاً متزوجاً من /16/ سنة ولم ينجب أولاداً. وإذ سمع بعجائب القدّيس أخذ يصلي ويطلب إليه أن يرحمه. فظهر له القدّيس وقال له: "زوجتك ستحبل وتلد ابناً" وأثناء الولادة قال الطبيب أنّه لا يوجد أمل فالولد سيموت حتماً. أمّا حياة الأم فهي 80 % مهدّدة بالخطر. عندئذٍ ذهب ديمتريوس إلى الكنيسة فوجدها مغلقة، فصلّى من الخارج وقبّل الباب، وعاد مؤمناً بأن القدّيس لن يتركه.وفعلاً أنجبت الأم الولد وسمّوه نكتاريوس وعمّدوه في دير القدّيس في آيينا.

v عندما كان القدّيس في آيينا، كان يوجد فيها حارس غير مؤمن ولا مبالٍ. وكان القدّيس يعظه دوماً محاولاً تشجيعه على التوبة والاعتراف والمناولة، إلاّ أن الحارس تجاوزه وأكمل طريقه إلى القهوة، وهناك أثناء الحديث قال للجالسين معه: "التقيت الآن الرئيس، وقد دُهشتُ كيف أنّه ما زال حيّاً حتى هذه الأيام" فسألوه: "أيّ رئيس؟" فقال: "نكتاريوس، رئيس دير الثالوث الأقدس" فقالوا: "ماذا تقول؟ لقد توفّي منذ ثلاث سنوات!" فتعجّب الحارس وأخذ يقصّ عليهم كيف كلّمه. وعلم أنّ القدّيس قد ظهر له من أجل خلاصه، فذهب إلى الدير وتضرّع إلى الرب و إلى القدّيس كي تُرحم نفسه.

v في عام 1952م كان الطفل هرقل مفاكيس وعمره /6/ سنوات يعرُج، وبعد الفحوصات في المشفى تأكّد الطبيب من وجود سرطان قويّ جداً في رجله، وبأنّ ساعات حياته أصبحت معدودة. لكن إحدى قريبات هرقل طلبت من الطبيب أن يكتب له وصفة طبيّة كي تتعزّى أمّه قليلاً، وأخذت الوصفة. ولكن عوضاً أن تذهب إلى الصيدلية لشرائها ذهبت إلى بيت أحد معارفها كي تجلب من عندهم أيقونة القدّيس نكتاريوس. وأثناءها صرخ الولد لأهله: "لا تبكوا، فأنا سوف أُشفى" "كيف تعرف هذا؟!" "لقد قال لي القدّيس نكتاريوس إنّي سوف أشفى" "متى؟ كيف؟!" "لقد أتى وظهر لي بلحيته البيضاء الكبيرة ودغدغ وجهي قائلاً: "قل لجدّتك ووالدتك بألاّ يبكين، فأنا سوف أجعلك معافى" وقبل أن تصل عمّته إلى الباب قال لهم ثانية: "عمّتي قد جلبت لي معها القدّيس نكتاريوس" "كيف تعرف هذا يا بنيّ؟!" "لقد قال لي القدّيس ذلك". وبالفعل دخلت عمّته ومعها أيقونة القدّيس نكتاريوس، ورسمت بالأيقونة شكل صليب على الصبي ووضعتها على صدره، فإذا به يقوم ويمشي معافى!

وعندما حضر الطبيب ليتفقّد حالة الصبي، سألهم عنه ظانّاً أنّه قد مات. فأجابه الصبيّ: "أنا هنا، لقد تعافيت". وقام الطبيب بفحوصاته وانذهل من الأمر إذ لم يعد يشكو الصبي من أيّ شيء. فتعجّب الجميع ومجّدوا الله وشكروا القدّيس.

عُرف القدّيس نكتاريوس العجائبي لكثرة ما قام به من معجزات في حياته وبعد رقاده، فقد أعطاه الربّ هذه الموهبة والقوّة على الشفاء.

لقد ظلّلت النعمة الإلهيّة حياة القداسة والطهارة التي عاشها من جهادٍ، واحتمال للشدائد والصبر عليها، وطول الأناة، والسهر، والصلوات، وبذل الذات من أجل الآخرين.

وها إنّ بقاياهُ ما زالت محفوظة في دير الثالوث الأقدس في آيينا تعزيةً وبركةً لنا.

طروبارية باللحن الأول
هَلُمْوا أيُّها المُؤمِنُونَ نُكَرِمُ نِكتارِيوس المَولودَ في سيليفريا ورايةَ آيينا, مَنْ ظَهَرَ في الأزْمِنَةِ الأخيرَةْ, ومٌحٍبَّ الفَضِيلَةِ الأصيل. بِما أنَّهُ خَادِمُ المَسيحِ الإلهِي, إذْ يَنْبِعُ الأشْفِيةَ في كُلْ الأحْوال لِلصارِخِينَ إلِيهِ بِإيمانٍ: المَجْدُ لِلمَسِيحِ مَنْ مَجْدِكَ، المَجْدُ لِمَنْ جَعَلَكَ عَجَائِبياً, المَجْدُ لِلفاعِلِ بِكَ الأشْفِيَةَ لِلجَمِيعِ.

قنداق باللحن الثامن بالتسابيح، وبفرح قلب, لنمدح نجم استقامة الرأي الجديد وحصن الكنيسة المشاد حديثاً, إذ قد تمجد بقدرة الروح, فهو يسكب مواهب الأشفية بغزارة على الذين يصرخون: أفرح أيها الأب نكتاريوس.

تعيد له الكنيسة الأرثوذكسية في 5 / تشرين الثاني من كل عام

الخميس، 6 أكتوبر 2011

حبوب للسكري من إفرازات الجسم



 
تمكّن علماء أميركيون عبر استخدام مركّب يفرزه الجسم طبيعياً لدى الفئران من إعادة استقلاب السكر بالدم لدى الحيوانات المصابة بالسكري إلى الحالة الطبيعية، مما يعزز إمكانية التوصل إلى تصنيع حبوب من هذا المركب تؤخذ يومياً للعلاج أو حتى منع الإصابة بالنوع الثاني من السكري.



وقال العلماء الذين أجروا الدراسة بجامعة واشنطن للطب، إنهم استطاعوا أن يسترجعوا المعدلات الطبيعية لاستقلاب السكر بدم الفئران المصابة بالسكري عن طريق استخدام مركّب موجود طبيعياً بالجسم يدعى "أن أم أن" (NMN) ويلعب دوراً حيوياً في تحديد كيفية استخدام الخلايا للطاقة.


وقال الباحث المشارك بالدراسة شين أشيرو إيماي إنه بعد إعطاء الفئران جرعات من مركّب المذكور، فإن الغلوكوز عاد بشكل تام إلى الدرجة الطبيعية لدى الفئران الإناث.


وذكر أنه لوحظ تأثير أقل لـ "أن أم أن" عند الذكور مقارنة بالإناث، مشددا مع ذلك على وجود تأثير له، وقال "هذه حقاً نتائج ملحوظة، إن المركّب حسّن أعراض السكري على الأقل عند الفئران".


ولفت إيماي إلى أهمية هذا البحث في الوصول إلى علاج لمرضى السكري، وأشار بهذا الصدد إلى أن الآليات التي يؤثر عليها المركّب عند الفئران هي مشابهة بشكل كبير لتلك الموجودة عند الإنسان، مؤكدا أن الأمر يتطلب الاختبار والبحث.


وقد اعتبر الباحثون عملهم خطوة أولى نحو التوصّل إلى تصنيع حبوب تؤخذ كالفيتامينات يومياً للمعالجة أو حتى منع الإصابة بالنوع الثاني من السكري عند البشر

السبت، 17 سبتمبر 2011

أيقونة المسيح الضابط الكل

أيقونة المسيح الضابط الكلإنّ تطبيق المناهج النقدية الحديثة لفن الرسم على الأيقونات غير كافٍ، بحدّ ذاته، لفهم هذه الصور الكنسية بكافة أبعادها. هذا لا يعني أن الأيقونة غير قابلة للبحث العلميّ، بل أنه من أجل إستخلاص جوهر الرسالة المحتواة فيها، علينا الإلتفات إلى الخلفيّة الإيمانية العميقة التي وراء كل أيقونة. فأشكال الأيقونات وأصنافها تستند إلى تلك الحكمة الشاملة التي نجدها في الكتابات اللاهوتية والليتورجية للكنيسة الأرثوذكسية كما أنها مرتبطة بالحياة الروحية المعاشة في وسط جماعة المؤمنين.

أما نمط الأيقونة الممثلة في الصورة الظاهرة أعلاه، فهو النمط المدعوّ بـ"المسيح الضابط الكل" (في اليونانية o Christos o Pantokrator). ومن أشهر النسخ الأصليّة لدينا هي هذه الأيقونة الروسيّة التي تعود إلى القرن الخامس عشر وتُحفَظ حاليًّا في متحف المتروبوليتان للفنون في مدينة نيو يورك. وتشير أيقونات المسيح الضابط الكل إلى الجلال الإلهي الذي يتصف به الخالق وحده، كما وأنه هناك ملامح ساطعة لناسوت الابن المتجسد نلاحظها في الرسم المفصّل لجسمه البشريّ.

يجلس المسيح في هذا الرسم على عرشٍ منحوتٍ جميلٍ يليق بجلالة صاحبه، ومنه يبارك الربّ بيمينه كل مَن يقف أمامه وبالتالي الخليقة بأسرها. ونرى في حضنه كتاب الأناجيل المفتوح، ونقرأ فيه نصًا مكوّنًا من استشهادين: "لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكمًا عادلاً لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون" (يوحنا 7: 24 ومتى 7: 2أ). إنّ ملك الملوك وقاضي القضاة يظهر هنا داخل هالة خضراء بيضاويّة الشكل وفي مربعَين أحمرَين منحنيَي الجوانب يشكلان نجمة ثمانية الأطراف ترمز إلى الخَلق الجديد أي إلى القيامة والدهر الآتي. ونجد نجمةً كهذه في أيقونات التجلّي أيضًا حيث يظهر مجد الرب السرمديّ لرسله (راجع متى 17: 1-13 ولوقا 9: 28-36).

وفي أيقونتنا يضمّ المربع الأول الصغير جسد المسيح الجليل بكل بهائه الملحوظ في طريقة جلوسه وخصوصًا في لون ردائه الذهبيّ. ومن زوايا المربع الصغير تنبع خطوط الهالة البيضاويّة التي تضمّ في داخلها عالم الملائكة الممثّل بالشاروبيم لأنّهم، حسب التقليد، هم والسرافيم يحيطون بالعرش السماويّ (راجع مزامير 80: 1؛ 99: 1؛ حزقيال 10: 1-20). من هنا نرى أنّ في خدمة القداس الإلهي تسمّى جماعة المؤمنين المزمِعين أن يستقبلوا ملك الكل بـ "الممثلين الشاروبيم سرّيًا"، لأن حضور المسيح في سرّ الأفخارستيا يجعلنا إزاءَ المجد الإلهي كما هو حال الشاروبيم في هذه الأيقونة. وأما إختيار اللون الأحمر للنجمة الثمانيّة الأطراف واللون الأخضر للهالة البيضاويّة، فهو مستوحى دون شك من وصف يوحنّا الحبيب للعرش الإلهي الذي يقول: "… وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالسٌ. وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق (لونهما الأحمر) وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرّد (لونه الأخضر)" (رؤيا 4: 2-3).

وفي زوايا المربع الثاني الكبير، تقع رموز الإنجيليّين الأربعة الذين بشروا بالخبر السارّ في اتجاهات الأرض الأربعة. ونجد في الزاوية العليا، إلى يسار المشاهد، رمز متى الإنجيلي الذي على شكل إنسان، ويظهر في الأسفل أسد يرمز إلى الإنجيليّ مرقس. وإلى الأعلى في الزاوية اليمنى نرى نسرًا يرمز إلى يوحنا الإنجيليّ، يليه في الأسفل ثورٌ يرمز إلى الإنجيليّ لوقا. وهناك تقليد كتابيّ قديم جدًا يعود تاريخه إلى ما قبل سفر حزقيال النبيّ (راجع حزقيال 1: 4-10) يربط هذه الكائنات الأربعة بالعرش السماويّ. وقد تبنّى سفر رؤيا يوحنا هذا التقليد (راجع رؤيا 4: 6-8) الذي نسبتْه الكنيسة، منذ القديس إيريناوس أسقف ليون (القرن الثاني م.)، إلى الأنجيليّين لأنه كما كانت تحمل الكائنات الأربعة العرش الإلهي حيث يشاء، هكذا تحمل الأناجيل مجد الرب إلى مَن آمن بالكلام الوارد فيها وحفظه. وتجدر الإشارة إلى أنّ صور الإنسان والأسد والنسر والثور تشير بالتسلسل إلى أحكم وأشرف وأسرع وأقوى المخلوقات على الأرض التي تخضع لخالقها من أجل نقل الخبر الخلاصيّ لكلّ البشر. ومن هنا نرى أنّ في الكنائس يرسم الأنجيليون على العواميد الأربعة المركزية رمزًا لأحكم وأشرف وأسرع وأقوى ما يحمل أساس الكنيسة وبنيتها.

يُرسَم الخالق المحاط بالشاروبيم في حركة قويّة وهادئة في آنٍ واحدٍ تنعكس على عالم الإنسان عبر رفرفة أجنحة الملائكة ووقوفهم في اتجاهات متعددة، وأخيرًا من خلال حركة الكائنات، التي تبدو متوجهة نحو المشاهد. تجدر الإشارة إلى أنّ الأيقونة تقدّم الأناجيل الأربعة على أنّها تنبعث من العرش الإلهيّ وتبحث عن أفراد جنس البشر كلّهم ليعرفوا من خلالها ربّنا يسوع المسيح وشريعته الخلاصيّة.

تأتينا هذه الأيقونة ببضعة أفكار في لمحة واحدة. إنّها تذكّرنا أولاً بأنّ يسوع المسيح هو الرب والسيد الأعلى إذ أنّ مجده يمتدّ ليس فقط في هذا العالم، بل أيضًا في كل زمان ومكان. كما وأنّها تذكّرنا بأن السيد هو محب البشر والمحسن إليهم ولذلك حركته الطبيعية هي حركة البركة والإعتناء. وأخيرًا تخبرنا الأيقونة بقانون ملكوت المسيح وهو وارد في النص الأنجيليّ الذي يدعو قرّاءه إلى الغفران ومسامحة بعضهم البعض.

يسوع المسيح يملك على الكنيسة والمسكونة بأسرها وهو ملك إلى الأبد. قانونه نجده في الأناجيل وإرادته الأولى هي أن يخلّصنا نحن وكل البشر. هذه هي رسالة أيقونة المسيح الضابط الكل وهي تعزّي قلوبنا كلّما رأيناها ورأينا مَن يطبّق رسالتها على الأرض.

د. دانيال عيّوش
معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتيّ

أيقونة المسيح الضابط الكل

يارب اطلع من السماء

يارب يارب اطلع من السماء و انظر و تعهد هذه الكرمة و أصلحها لأن يمينك غرستها