ELIAS PAULUS

ELIAS  PAULUS
ELIAS PAULUS THE BIG LOVE الحب الكبير -اضغط على الصورة-

tisdag 4 maj 2010


والدة الإله في التراث الأرثوذكسي
تحظى مريم فتـاة اللـه بمكانـة عظمى في قلب معظـم الذين انتسبــوا إلى المسيـح المخلّـص، ولها في أفئدتهم محبـة ووجـد كبيـران. غيـر أن هذا لا يمنـع القول أن مسيـحيّي العالم ، وإن قـالـوا على العمـوم قولا واحدا في حقيقـة تجسد ابن اللـه الوحيد ، لا يتفـقـون في وصف مريم وتكـريمها ولا في تحديد مساهمتها في خدمـة الســرّ "الذي قبل الدهــور" .

ولا يخفى على مطّلع أن الفكر الأرثوذكسي أبى العقائد المستحدثــة ( مثلا: عقيـدة "الحَبَل بلا دَنَس"...)، التي لا سنـد لهـا، التي حدّدتها كنيسة رومية، وخطّأ موقف بعـض فئات البروتستنتيـة الذيـن تجاهلـوا حقيقــة مريـم وتحدثوا عنها باصطلاحات غريبـة عـن التـراث المستقيــم. ويبقى أن ثمــة بعـض الـهراطقــة أعداء الـتجسد، أمثال "شـهـود يـهــوه" الـيوم، يحتقــرون مـريم احتـقـارا كاملا -وإن أظهـروا في بعـض المواقـف عكس ما هـو ثابـت في تعـليـمهـم- إذ ينعتــونها بما لا يليق بمـن حمـلت في حشاها بابـن اللـه الـوحيد ومكّنتــه مـن أن يـأتـي إلى العـالم بشـرا ويفتـدينـا بدمـه .

ماذا تقـول الأرثوذكسية، التي حافظت على استقامة العقيدة، عن والدة الإلـه، وما هي مكانتها الحقيـقيــة في العبـادة والضمـير الأرثوذكسيين؟
غنيّ عن البيان، بادئ بدء، أن الكتـب المقدسة لا تتحدث عن مريم والـدة اللـه أو تذكـرها العـقيـدة الأرثوذكسية إلا في معـرض الحـديث عـن تدبيـر الـلـه الخلاصي . غير أن هذا لا يمنـع الإشـارة إلى كـون العهد الجديد قد لفـت، منـذ البدء، الى خصائص جذابـة في شخصيـة مـريـم جعلتـها شفيعــة العالـم الحـارة ومرشدة الـذين يعشقـون القداسـة الى ينـبـوع القداسـة، وذلـك أنها بـرزت فيـه أنها مثـال المـؤمنـة الخاضعـة لمشيئـة الـلـه ( لـوقا 1: 38) التي تحفـظ كلمات يسـوع في قلبهـا ( لـوقا 2: 19)، وتـتبعـه، بإخـلاص، حتـى النهـايـة .
ولقد أدركت الأرثوذكسية عجز الكلمات البشريـة وقصـورها عن التعبيــر عن سر الإلــه المتجـسد، فحاولت، قدر استطاعتـها، حصر تحديـداتهـا العقـائـديـة، وبخاصة المتعلـقــة بمريـم، بعبـارات قليلــة تعلنـها في كل خدمــة طقسيــة، إذ تنـاديـها بأنها: "الكليــة القداســة، الطاهـرة، الفائقــة البـركات، المجيـدـة، سيدتنـا، والدة الإلـه، الدائمــة البتـوليــة مريـم" . وهذا النـداء يحـوي النعــوت الثلاثـة الرئيسـة التي تخـص الأرثوذكسية مريمَ بها، وهـي: "والـدة الإلـه" theotokos، وهـو اللقـب الذي منحـه إياها المجمـع المسكـوني الثـالث المنعقـد في افسـس في العام 431 ؛ "والدائمة البتـوليـة" aeparthenos، وهـو اللقـب الذي جاء به المجمع المسكـوني الخامـس المنعــقد في القسطنطـينيـة فـي العـام 553 ؛ واما لقـب: "الكلية القداسـة" panagia، فلم يحدَّد عقائـديـا، ولكنـه مقبـول ويستـخدمـه جميــع الأرثوذكسيين في العالم .
هـذا وقد ميَّــزت الأرثوذكسية، فـي تعليمـهـا، فـي ما تتكلم عن مريم، بين اصطلاحي "العبـادة" و"التكــريم"، فهـي لا تـدعـو، مطـلقـا، الى عبـادة مريم كعبـادة اللـه، وإنمـا تكـرمهـا وتعظّمـها لأن "إلهـاً حقـا وُلِـدَ منهـا" (يوحنـا الدمشقـي)، وهي بذا تطيـع ما جاء على لسانها في إنجيل لوقـا: "ها منـذ الآن ( اي منـذ قبولي الإلـهَ في أحشائي) تكرمني جميعُ الأجيال" (1: 48) .
تحمـل عبــارة "والـدة الإلــه" تـراثـا إيمـانيا ذا قيمــة لاهـوتيــة عظيـمــة، فاللـفـظــة اليــونـانيــة تعـنـي "حاملــة الإلـه" اي التي حملـت الإلـه في رحمـها، وقد وُضـِعَ فحـواها أولا على لسـان أليصابات زوجــة زكريا الشيـخ التـي لفظــت ذاك النــداء التعــظـيمـي "مــن أين لـي هـذا أن تـأتـي أم ربّـي إلى؟" ( لوقا 1: 41- 43 )؛ انظر أيضا (غلاطية 4: 4) الـذي راج، وفـق شهادة كليمنضس الإسكنـدري، وانتـشـر انتشـارا واسعـا، منـذ بـدء المسيحيــة. استعـمـل العبـارة الكثيـرون مـن الآبـاء الأوليـن، ومنــهـم: هيبــوليتس، واوريجـانس الـذي شرحـهـا في تفسيره للـرسالة إلى كنيسة روميــة، وديـديمــوس الضريـر، وألكسندروس بطـريـرك الإسكندرية الـذي خطّـها في رسالـة وجهـها الـى مجمع عُقد ضد بدعـة آريـوس في الإسكندرية فـي الـعام 320 (اي قبـل المـجمع الـمسكوني الأول بخمس سنــوات)، وكيـرلُّس الاورشليـمي، وغريغـوريوس النيصصي، وكيـرلُّس الاسكنـدري... وغيرهم، مما يـؤكد أنها كانت معروفـة ورائجـة قبل أن سطـّرها الآبـاء عقيـدةً فـي مجـمع أفسس .
يقول الأسقف كاليستـوس (ويـر): إن تسميــة والدة الإلــه "مفتاحُ العبادة الأرثوذكسية الموجّهـة الى العذراء"، وذلـك أننا " نكـرم مريم لأنهـا والـدة إلهنـا، ولا نكرمـها منفصلـة عنـه وإنما بسبـب علاقتـها بالمسيــح" (انظر الأيقونات الأرثوذكسية التي تظهـرهما دائما معا، ولا تصوّر مريم من دون ابنـها). ويتابع الأسقـف بقولـه: "إن التعليـم الأرثوذكسي المتعلــق بـوالـدة الإله منبثـق من تعليـمـها الخاص بالمسيـح... وحيـن أكد آبـاء مجمـع أفسـس (تسميـة مـريم بـوالدة الإلــه)، لم يكن ذلك بقصـد تمجيـدها بل مـن اجل الحفـاظ على العقيـدة الحـق المتعلـقـة بشخص المسيــح"، ويخلص الى القـول: "وأولئـك الذين يرفضون تكريم مريم هم أنفسهم أولئك الذين لا يؤمنــون حقـا بالتجسـد".
ليـس لقـب "والدة الإلـه"، إذا، هـو فقط لقبا تكريميا لمريـم وإنمـا هو ضرورة لاهــوتيـة تحتّـمـها، كما يقـول القـديس كيرلُّـس الاسكنـدري، "حقيـقـة التجسد"، ولا يمكـن لأحد أن يرفـض هذه الحقيقـة ويُقبَل في الإيمان الحـق، فمريم هي أم الـرب، وهي أمنـا التي لا تنفـك تدلنا على أن نتبـع يسـوع ونطيعــه، إذ إن صوتـها ما زال يلــحّ علينـا بقـوة: "مهما قال لكم فافعـلـوه" (يوحنا 2: 5).
الدائمة البتولية 

تعلّم الكنيسة الأرثوذكسية أن مريم والدة الإله هي عذراء قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة، وقد أكدت هذا، في صيغة عقائدية، في إبسالات (حُرمات) المجمع المسكوني الخامس (المنعقد في القسطنطينية في العام 553)، فدانت: " كل من لا يعترف بأن كلمة الله وُلد ولادتين: الولادة الأولى منذ الأزل لا تنحصر في زمان أو في جسد، والثانية في الأيام الأخيرة إذ نزل من السماء وصار جسداً من القديسة المجيدة مريم والدة الإله الدائمة البتولية ووُلد منها" . 

وواقع الحال أن كل تعليم لا يتوافق وروح الكتاب المقدس لا يُعتبر أصيلا في المسيحية الحق. بتولية مريم، من هذه الوجهة، هي حقيقة مرتبطة بالتجسد الإلهي، هكذا فهمها الآباء عموما، وهم لم يخرجوا عن نبع الإيمان وأعني كلمة الله، ولعل ما قاله القديس غريغوريوس النيصصي يلخّص هذا الترابط: "إن حشا العذراء الذي استُخدم لميلاد بلا دنسمباركٌ لأن الميلاد لم يُبْطِلْ عذريتها كما أن العذرية لم تُعِقْ هذا الميلاد ولم تمنعه" . 
يؤكد كل من متى (1: 18-23) ولوقا (1: 26-38) حقيقةَ بتوليةِ مريم، وتنوه بذلك بعض القراءات القديمة لنص( يوحنا 1: 13 ) " الذين وُلدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله وُلدوا" . ولا يبدو عند العلماء اليوم أن الأوساط الفلسطينية القديمة، وخصوصا عند جماعة الأسانيين، كانت تعرف هذه البتولية الدائمة، وهذا يتلاقى مع ما فهمه المغبوط اغسطينوس - وكثيرون حذوا حذوه- من أن كلام مريم للملاك المبشِّر "كيف يكون هذا وأنا لا اعرف رجلا ؟ " (لوقا 1: 34)، يُقصَد به: أنى لا أريد أن اعرف رجلا، معتبرا أن هذا الفارق في المعنى ضروري لتبرير سؤال مريم، لأن صعوبة قبولها تكمن في أنها قررت أن تحافظ على بتوليتها. ونلاحظ، من متابعة النص، أن سؤالها هذا يقود الملاك الى أن يخبرها - وزواجها بيوسف لم يكتمل- بحبلها العجائبي بيسوع، من دون زرع رجل. وقد أُعلنت لها هذه الحقيقة في ما أُخبرت عن بنوة يسوع الإلهية المرتبطة بهذا الحبل، وذلك لأن روح الله الذي أشرف على خلق العالم (تكوين 1: 2) سيباشر بالحبل بيسوع بخلق العالم الجديد . 
لكل إنجيليّ طريقته في كشف الحقيقة الإلهية، فالإنجيلي متى يكتب ببراعة لا تخفى على فاهم، إذ ينفي بأسلوب رائع إمكانية قيام أية علاقة جسدية بين يوسف ومريم خارج نطاق الدور الذي أُوكل إليه أن يتممه، وهو أن يعطي (اي يوسف) الولادة شرعيةً باتخاذه يسوع ابنا ويحافظ، تاليا، على هذا الثُناء الحقيقي وأعني به "الصبي وأمه" (2: 13 ،14، 20 و21). يكشف متى في أول إصحاحات إنجيله أن يوسف ومريم خطيبان، اي أنهما، وفق العادات الفلسطينية القديمة، زوجان عُقد زواجهما في وقت سابق ولم ينتقلا بعد الى بيتهما الزوجي، ولعل هذا ما تعنيه الكلمة المشجّعة التي قالها الملاك ليوسف القلِق: "لا تَخَفْ أن تأخذ مريم امرأتك"، اي لا تبطئ بنقلها الى بيتك "لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس" (1: 20) . ونلاحظ تاليا أن متى لا يعود، بعد ولادة يسوع، يربط بين يوسف ومريم، فلا يسمّيه بعدُ زوجَها، ولا يسمّيها هي "امرأته"، وإنما يُبرز حصراً دوره الجديد الذي أوحينا إليه آنفاً . ولا ننسى أن يوسف "بارّ" (1: 19)، وهذا، بمنطق الكتب المقدسة، يعني انه يطيع مشيئة الله طاعة كلية، ومشيئته هي أن يحافظ يوسف، لكونه رجلا، على هذا الثُناء ولا يقتحمه. 
يعطي الإنجيلي متى صورةً أخرى عن هذه البتولية، إذ يستشهد بما جاء في كتاب إشعيا وفهِمه القدماء عموما على انه يتعلق بعذرية مريم الدائمة، يقول متى: "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عِمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (1: 23؛ إشعيا 7: 14) . ويزيدنا فهما لهذه الآية ما كتبه الأب متى المسكين، في كتابه "العذراء القديسة مريم" ص 60-68، وننقل بعضه بتصرف، يقول الأب متى: تأتي كلمة عذراء في العبرية بمنطقَيْن: بتولا، وعَلْما.النطق الأول يعني فتاة عذراء (غير مرتبطة بخطبة سابقة) لم تعــرف رجلا، وتترجم فـي اليـونانية (پارثينوس Parthenos )، واما كلـمة "عَلْما" فتعني فتـاة ناضجة لم تنجب أولادا، ولكن يحتمل أن تكـون مخطوبـة لرجـل، وفي اليونانيـة (نيانيس neanis ) ويلاحظ الأب متى أن الاصل العبري للآية كلها، كما جاءت في سفر إشعيا أولا، يُبرز معنى ضمنيا، وهو أن كلمة "العذراء" جاءت كصفة نوعية مستديـمة لأم عِمانوئيل، إذ عُرّفت بـ"أل": "هوذا العذراء"... وفيما يربـط بين دوام البتولية وحقيقة التجسد يعبّر عن دهشته لكون إشعيا استخدم في نبوته اللفظة الثانية: "عَلْما"، ويقول: اختياره للكلمة "هـو في الواقع اكثر ضمانا للمعنى النبوي وأكثر إعجازاً من حيث وصف حقيقة ما سيتم فعلاً" . 
لا بد من التنويه أخيرا بأن القول ببتولية مريم لا يعني أن الأرثوذكسية تنبذ الزواج أو تحقر الجسد، فكلنا نعلم أن الكنيسة حاربت، منذ انطلاقتها، هذه الأفكار، ودانت مروّجيها، وهي إذ تقدّس الزواج سرّاً من أسرارها تبارك كل علاقة جنسية شرعية وتدعو الى خصبها . 
بتولية مريم هي خصب من نوع آخر، لأن هذه الفتاة افتتحت خطً جديدا في العالم إذ قبلت الربّ في أحشائها بشكل " فائق الوصف والعقل " ، وأعطتنا أن نولد من جديد .

Inga kommentarer:

Skicka en kommentar